من أجل دولة عادلة متحضرة

بواسطة » الوقت \ التاريخ : عدد المشاهدين : 265 views » طباعة المقالة :
IMG_2775

 

كفاح محمود كريم

منذ قيام دول الشرق الأوسط (جمهوريات وممالك وإمارات) والنُّخب السياسية والفكرية والجمعيات والأحزاب تتأرجح بين مجموعة من الخيارات لتنظيم نهج وهيكل تلك الكيانات، وفي مقدمة تلك الخيارات خياران مهمان اختزلا منظومة التفكير السائدة في حينها، وهما (الإسلام هو الحل) و(الديمقراطية هي الحل)، هذان الحلّان تأرجحا أيضاً بين قبول الأغلبية القبلية وأعرافها السائدة، والأقرب إلى مزاجها وحسّها العام وهو الخيار الديني، بينما انحصر الخيار الثاني (الديمقراطية) بالنخب المثقفة والتنويرية المتأثّرة بالنظام الأوروبي وخاصة البريطاني والفرنسي، وعلى ساحة هذين الخيارين خاضت تلك النخب وخاصة خيار الديمقراطية، نضالاً دؤوباً وتضحيات جساماً لتحقيق شيء من هذا الحل في مجتمعات بعيدة كلّ البعد عن هذا النهج بل وتتقاطع تماماً مع تطبيقات الديمقراطية، خاصة في جانبها الاجتماعي، حيث تصطدم بقوة مع منظومة متوارثة من التقاليد والأعراف، ناهيك عن القواعد الأساسية في الدين، وما يرتبط فكرياً وثقافياً بحريّة الرأي والتعبير، ففي معظم بلداننا ومجتمعاتنا تغلب الثقافة القبلية والدينية على تفكير الناس وتعامُلاتهم مع مفردات الحياة وتفصيلاتها .

   هذه الثقافة المتكلّسة عبر قرون تقاطعت في أساسياتها مع النمط الغربي للديمقراطية، ومع حريّة الرأي والتفكير والتعبير عنهما تحديداً، حيث تصطدم بجدران الممنوعات التي تفرضها هذه الثقافة، خاصة ما يتعلق بالنساء وحقوق الإنسان والمكوّنات الدينية المختلفة، وهنا أتحدث أفقياً عن المجتمعات وليس عن النظام السياسي الذي ربّما يفرضُ نوعاً من الانفتاح نظريا كما حصل في كلّ من العراق ومصر وسوريا والجزائر وتونس وليبيا ولبنان والسودان وإيران وحتى تركيا، التي تعدُّ نفسها مع إسرائيل أعرق ديمقراطيتين في الشرق الأوسط، وتتناسيان أن التحفظ الديني فيهما لا يقبل تماما مَنْ يعارضهما فكرياً أو دينياً .

وكما اصطدمت القوى الديمقراطية بهذا النمط من الثقافات الاجتماعية، واجهت النخب والأحزاب الدينية هي الأخرى تحديات كبيرة افشلت غالبيتها من تحقيق إقامة دولة العدالة الإلهية فشلاً ذريعاً في مصر وتركيا وأفغانستان وإسرائيل وايران التي حولت هي وافغانستان إلى سجن رهيب يخضع لسلطات عقائدية مطلقة الصلاحيات من قبل اذرع ميليشياوية، تعتمد القتل في أيّ توجُّه معارض، باعتبار معارضتهم هي معارضة لعقيدة الله ودستوره، وهو ما يجري الآن على أيدي الفصائل والميليشيات العقائدية في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن والتي احتوت الدولة ومؤسساتها، وتعمل على تطبيق تعاليم عقائدها الدينية والمذهبية خارج مفهوم الدولة والدستور.

من هنا ندركُ جيداً أن هذه الجدران الدينية والقبلية، وما يرتبط بهما من متوارث التقاليد والأعراف هي التي تتحكّم في مفاصل مهمّة من حياة الناس، حتى أصبحت الآمر الناهي في كثير من قواعد السلوك الاجتماعي، وخاصة في النصف المُعطّل من المجتمع، بل اندفع إلى مواقع القضاء ليكون بديلاً عنه، ناهيك عن دوره المفصلي في إيصال أصحاب هذه الثقافات إلى السلطتين التشريعية والتنفيذية بآليات قبلية أو فتاوى دينية، وقد بان ذلك بشكل واضح جداً في كلّ الانتخابات التي جرت في معظم بلدان الحَبُو الديمقراطي سواءً في العراق أو سوريا واليمن ولبنان وإيران، وبقية دول شمال إفريقياـ ومن ماثلهم في التركيب الاجتماعي والسياسي.

وبعد أكثر من قرن من الحكم وتجاربهما السياسية القاسية التي تركت ظلالاً قاتمة على معظم بلدان الشرق الأوسط لم تنجح أيّة تجربة من تجارب الخيارين، فقد فشل الخيار الديني فشلاً ذريعاً، ولم يستطع مواجهة مشكلة حقوق الإنسان والمرأة، وتداوُل الحكم والمكوّنات غير الإسلامية، وفي المقابل أيضاً عجزت النُّخب السياسية من ترجمة الحل الديمقراطي، فاصطدمت بمنظوماتٍ اجتماعيةٍ ترتبط بشكل وثيق بالعادات والتقاليد التي يمتلك مفاتيحها رجال الدين والقبيلة، والتي لا يُستغنى عنها لارتباطها الشديد بكرسي الحكم الاجتماعي المطلق.

لقد عانت دول أوروبا في الحقبة المظلمة من تاريخها بذات الصراعات بين الخيارين، وانتصرت بفصل الدين عن الدولة وبلورة مفهوم المواطنة الجامعة وسيادة القانون بدلا من الأعراف والتقاليد والعادات وبذلك انتهت الصراعات العرقية والدينية، ووضعت العدالة عموداً أساسياً لأنظمة دولها التي ترتكز على العلم والتعليم والمعرفة ضمن نظام تربوي رفيع المستوى.

أننا اليوم أحوج ما نكون، بعد تجارب البلاد المريرة سياسياً وعسكرياً إلى سيادة العدالة والبحث عن بديل يتناغم مع بيئتنا وقواعدها الاجتماعية، بديل يحفظ للدين مكانته ويصونُ احترامه وهيبته بفصله عن السياسة، وتعزيز احترام التركيبات القبلية ورموزها بإبعادها عن أيِّ تدخُّل في النظام السياسي والقضائي، الذي يمنع بالمطلق أي تنظيم أو نشاط سياسي في المؤسسات التعليمية والعسكرية والأمنية والقضائية، بما يحصِّن المجتمع، وينأى به من أي تناحُر أو انقسام يمسُّ السلم والأمن المجتمعي.

1

التعليقات :

اكتب تعليق

الشمس ما تنحجب بالغربال… بس بالعراق يحاولون يغطّوها بورق عنب
بطاقة نجوم الإعلام العربي .. الإعلامية برنا نعمة شديد
بطاقة نجوم الإعلام العربي .. الإعلامي علي عبد الكريم
رابطة الإعلاميين تنعى رحيل الصحفي والرسام الكاريكاتيري حمودي عذاب
بالتعاون مع وزارة الصحة… كويكا تعقد مؤتمراً أكاديمياً لتعزيز قدرات مستشفى الرعاية الحرجة في العراق
الأمن مسؤولية وطنية وأخلاقية: معًا ضد الفتن ومروّجي الكراهية
بطاقة نجوم الإعلام العربي .. الإعلامي مصطفى زكي
الأمن السيبراني يحسم الجدل: الهجمات الأخيرة بلا تأثير والبنية الرقمية تحت السيطرة
بطاقة نجوم الإعلام العربي .. الإعلامية زهراء سمير
بطاقة نجوم الإعلام العربي .. الإعلامية هبة التميمي
مقتل إمام وخطيب جامع في الدورة ببغداد إثر حادثة اعتداء
بطاقة نجوم الإعلام العربي .. الإعلامية سالي عثمان
بطاقة نجوم الإعلام العربي .. الإعلامي عمار الجابري
كويكا والتخطيط تعقدان منتدى لتبادل المعرفة وبناء القدرات في العراق
ابو رغيف: يناقش مع مؤسسة بابل العالمية للثقافات، تعزيز الهوية الوطنية عبر الإعلام
بطاقة نجوم الإعلام العربي .. الإعلامية سحر المفتي
بطاقة نجوم الإعلام العربي .. الإعلامي دلشاد گوران
إطلاق منظومة “ضمان الرقمية” ونظام “التقاعد الاختياري”
بطاقة نجوم الإعلام العربي .. الإعلامية شيرين الشلي
بطاقة نجوم الإعلام العربي .. الإعلامية رنا الغريري
داعش يعدم شابين من اهالي الموصل
العمل تباشر بانشاء مشروع باسم (مساحات صديقة) لرعاية الاطفال داخل مجمعات النازحين في بغداد
التجارة … تناقش  تسهيل الإجراءات  الخاصة بإصدار الإجازات والعمل بالنافذة الواحدة
انقاذ حياة فتاة ثانية حاولت الانتحار بعقار الديباكين في الديوانية
جاسم محمد: رأي المالكي كان مع حكومة توافقية بكركوك
بطاقة نجوم الإعلام العربي .. الإعلامي تحسين السيد
العمل تتطلع للاستفادة من تجارب ايران في رعاية المسنين
إغاثة النازحين تتبناه المرجعية العليا في النجف
بيان صادر من قيادة العمليات المشتركة
وزارة التخطيط تناقش المسودات النهائية لخطة التنمية الخمسية 2018-2022
التجارة نجاح الفحص المختبري للباخرة الثانية المحمله بالحنطة الكندية 
بكلفة ( صفر ) افتتاح مشروع صيانة الجسر الكونكريتي في الناصرية  
طلبة جامعيون يحتجون أمام التعليم العراقية ويتحصلون على “عصي كهربائية”
الاعمار: تحيل مشروع انشاء الممر الثاني لطريق (بعقوبة – بني سعد – بغداد القديم)
بطاقة نجوم الإعلام العربي .. الإعلامية جيسي طنوس
تعاون نجدة بغداد مع رابطة الاعلاميين الشباب UKMA
لماذا قتلت المخابرات العراقية السيد حسن الشيرازي في بيروت عام 1980
المؤيد يبحث تعزيز التعاون مع نائب رئيس غرفة التجارة الامريكية وتطوير اللوائح التنظيمية
الاحتفالية السنوية لمركز العراقي للتنمية الاعلامية ..                                               
الهبابي: ضرورة استجواب العبادي وإقالته جراء تغافله عما يجري في طوز خورماتو
"عيون " تحتفي بالمبدعين من الفنانين والإعلاميين لعام 2015. الاعرجي: ينتقد بشدة ضرب التحالف للجيش العراقي ويطالب بتسليم الجناة فورا للقضاء العراقي البصرة عاصمة لقمع حرية التعبير وهجرة الصحفيين!!. التركمان يعلنون قرارهم من "تكنوقراط" العبادي الجابري: تشرفت خشبة المسرح الوطني باعتلاء الفنان عبد المرسل الزيدي قبل رحيله الحكيم يدعو لتقييم جاد وعلمي للحكومة العراقية بمناسبة مرور عام ونصف على تشكيلها الخيكاني يبحث مشروع تنفيذ الطرق الحدودية الرابطة بين العراق والدول المجاورة الدكتورة أمال كاشف الغطاء تحاضر عن علاقة الدين بالدولة الفتلاوي :تدعو وزارة الصحة الى تخصيص مليارين لعلاج مرضى الثلاسيما في ذي قار الفتلاوي: يجب أبعاد أدارت صحة ذي قار والتربية عن المحاصصة الحزبية الوائلي: الحكم بالإعدام على منفذي جريمة سبايكر قد أنهى الخطوة الأولى في هذه القضية " بطاقة نجوم الإعلام العراقي .. الإعلامية د. ثناء الفيلي بطاقة نجوم الإعلام العربي .. الإعلامي أحمد شكري بطاقة نجوم الإعلام العربي .. الإعلامية إيمان علاوي بطاقة نجوم الإعلام العربي .. الإعلامية ديالا كلتوم بطاقة نجوم الإعلام العربي .. الإعلامية رسل رياض بطاقة نجوم الإعلام العربي .. الإعلامية سلمى الجميلي بطاقة نجوم الإعلام العربي .. الإعلامية فيان الجادري بطاقة نجوم الإعلام العربي .. الإعلامية كندا حيدر بطاقة نجوم الإعلام العربي .. الإعلامية لبنى الخولي بطاقة نجوم الإعلام العربي .. الإعلامية ملاك حازم بطاقة نجوم الإعلام العربي .. الإعلامية نورهان عادل بطاقة نجوم الإعلام العربي .. الإعلامية هاجر العادل بطاقة نجوم الإعلام العربي .. الإعلامي عبد العزيز درويش بطاقة نجوم الإعلام العربي .. الإعلامي علي خشان بطاقة نجوم الإعلام العربي .. الإعلامي عمرو جميل بطاقة نجوم الإعلام العربي .. الإعلامي محمد الفهد بطاقة نجوم الإعلام العربي .. الإعلامي مصطفى الأمير بطاقة نجوم الإعلام العربي الشخصية .. إيناس الصافي بطاقة نجوم الإعلام العربي الشخصية .. الاعلامي ساري حسام بطاقة نجوم الإعلام العربي الشخصية .. محمد الفريد بطاقة نجوم الإعلام العربي الشخصية الإعلامي: صدام هاشم بطاقة نجوم الإعلام العربي – الإعلامية السورية سهار أديب بيان صادر من قيادة العمليات المشتركة/ خلية الاعلام الحربي تنعى رابطة الإعلاميين والصحفيين الشباب الزميل حميد عكاب مدير قناة العهد الفضائية خطيب جمعة المنطقة الخضراء: التحدي الاقتصادي الذي يواجه العراق اخطر من داعش رئيس البرلمان : المجتمع الدولي مطالب بتحمل مسؤولياته إزاء حالة الدمار والمآسي التي تشهدها المناطق المحررة رئيس البرلمان : تحرير الرمادي انكسار لشوكة داعش ونقطة انطلاق لتحرير نينوى رابطة الإعلاميين والصحفيين الشباب تنعى ( سيف طلال وحسن العنكبي) من قناة الشرقية طـــل الصبــــاح أولك علوش عيد ميلاد سعيد والدعو الى التعايش والتسامح والمحبة قائد عمليات الانبار :انطلاق عملية عسكرية لتحرير قاطع شرق الرمادي كورك "تيليكوم" تشارك الطائفة المسيحية احتفالها في مبادرة إنسانية منع وسائل الإعلام العراقية من تغطية فعاليات مؤتمر البرلمانات الإسلامية في بغداد نقيب الصحفيين يحذر من تهميش الاسرة الصحفية ويؤكد : سيكون ردنا قاسيا لا تتوقعه الحكومة والبرلمان
استفتاءات

رأيك بتصميم الموقع

View Results

Loading ... Loading ...
تابعونا على الفيس بوك